تهمة المرأة في قصص العشق- قراءة نقدية من منظور ذكوري

المؤلف: عبده خال11.12.2025
تهمة المرأة في قصص العشق- قراءة نقدية من منظور ذكوري

كم هو ممتع أن ننغمس في دراسة سير الراحلين، خصوصًا وأنهم غادروا هذه الدنيا الفانية، وأصبحوا في ذمة التاريخ، فلا يستطيعون دحض أو تأكيد ما يُروى عنهم. أدب السير الذاتية للموتى أشبه بإناء يحتضن مزيجًا من السوائل المتداخلة، لا نتبين منها إلا سيولتها وانسيابها. كنوز الماضي مغرية، وأموالها مُباحة، فالجميع يطمح للاستفادة منها، سواء في أوجه الخير أو الشر.

لقد تفطّن المثل الشعبي لتلك السرقات الأدبية، فعبّر عنها بصدق قائلاً: «الكلام ما عليه جمرك»، وبلغة شعبية أخرى، «خذ راحتك». ما أسهل الحديث عن العلاقات العاطفية التي لا يوجد شهود على وقائعها وتفاصيلها!

بعدما تعهدتُ بإكمال كتاب عن قصص العشاق الذين قُطعت قلوبهم على أثر العشق، وجدتُ نفسي تائهًا في متاهات مجازر العشاق. كنتُ أنقب في آلاف الحكايات التي تصوّر المرأة دائمًا في قفص الاتهام، باعتبارها الجانية والمسؤولة عن المآسي العاطفية. يُعلّل ذلك في الأسطورة العالمية بأن المرأة هي التي أغوت آدم للأكل من الشجرة المحرمة، وبسبب تلك الغواية نعيش هذا الشقاء. إنه تعليل هزيل لا يرقى إلى مستوى الحقيقة، فالمذنب الحقيقي هو آدم، وهناك إشارات قرآنية قاطعة تؤكد ذلك. إلا أن القصص تروى في مسارات موازية للأسطورة الأولى، فتبقى المرأة هي المذنبة، والمعذبة بصخرة سيزيف. وهذا يؤكد أن التهمة لا تزول حتى وإن تم تصحيحها بنص ديني، فنحن أسرى قفص الحكايا المتوارثة.

في حكايات العشاق التي استعرضتها، بقيت المرأة حبيسة الاتهام. يستطيع الباحث المنصف تبرئتها ببساطة، فالذين كتبوا الحكايات هم رجال متعصبون لذكوريتهم، يريدون إبقاءها في هذا المكان. والمرأة لم تسعَ جاهدة للخروج من هذه الدائرة المفرغة. فشهرزاد ظلت تحكي ألف ليلة وليلة؛ لكي توقف موت الإناث، إلا أن جوهر الحكايات يتضمن محاولة للنجاة من القتل، أو محاولة للابتعاد والتبرؤ من خيانة زوجة شهريار.

محاكم الأمم مجتمعة أبقت المرأة في قفص الاتهام، وأصدرت صكًا بأنها المذنبة. وكما ذكرت، التهمة الأسطورية الأولى جعلت منها المجرمة، بغض النظر عن حقيقة التهمة، سواء كانت ذنبًا أو براءة. فالحكاية الأولى هي الطريق الوحيد الموصل إلى الإدراك، حتى ولو كان طريقًا مسدودًا، والتعاقب السردي لحكايات المرأة رسّخها في تلك الصورة.

لقد كشفت سر كتاب العشاق، وأدركت الآن أنني كنت أسيرًا لثقافة سائدة متواطأ عليها قولاً وعرفًا وعادة، من خلال تغريدة أكدت فيها: وكان عليّ ألا أرتهن للثقافة السائدة بإلقاء التهم الجاهزة. ربما كان ذلك نابعًا من المخزون الأممي الذكوري المرحب بالسائد، والمتغافل عن أي حقيقة تبعده عن موروثه الثقافي.

وسبق أن كتبت تغريدة هذا نصها: «في مراجعة لقصة أشعار أحمد رامي، اكتشفت أنه كتب 110 أغانٍ لعين أم كلثوم: لوعة وعشقًا.

والآن أستطيع القول إنها كانت امرأة استغلالية، وفي أعلى مراتب بشاعة الاستغلال.

الكارثة أنه كان يعلم استغلالها لنبضه!».

ولأن الناس يؤمنون بما تعلموه في البدء، قلت إن أم كلثوم مارست الاستغلال وهي تهمة لا تليق بباحث أو قارئ متمكن أن يطلق تهمة (استغلالية) إلا أن الجذر الأول الأسطوري يسحبك من خطامك!

وأردت استدراك ذاك العمى في كون أم كلثوم استغلت عاطفة رامي على محمل قول عمر بن ربيعة:

ليــت هنــداً أنجزتنــا مـا تعـد

وشـــفت أنفســنا ممــا تجــد

واســــتبدت مـــرّة واحـــدة

إنمــا العــاجز مــن لا يســتبد

وهي محصلة معادلة القوي والضعيف، فهي تمسك بقلبه وهو خانع لما تفعله حبًّا وهيامًا بأي فعل تفعله.

وإن أضفت شيئًا يمكن القول:

إن القاسم المشترك بين العجز، والاستبداد هو القوة، الأول فاقد لها، والثاني متسلح بها.

وفي كل مناشطنا الحياتية، يكون ميزان نجاح أي أمر مرهونًا بهذه القوة امتلاكًا، أو فقدًا لها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة